Assalamu'alaikum

Labels

Sabtu, 03 Maret 2012

*نقد متن الحديث


لقد فضل الله هذه الأمة بعلوم لا توجد في غيرها من الأمم وهي علوم الحديث الشريف. والحديث كمصدر التشريع الأساسي بعد القرآن يكون مجال البحث الرئيسي لدى المسلمين وغيرهم. لكن للأسف الشديد فقد اجترأ أعداء الإسلام في تشكيك هذا العلم الشريف بل طعنوه وبذلوا في تخريبه. وأحد الادعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة إنهم قالوا إن العلماء توسعوا في نقد سند الحديث أكثر من توسعهم في نقد المتن بل اكتفوا بنقد السند دون الخوض في نقد متنه مع أننا نعلم أن الحديث مكوّن من الجانبين الرئييسين وهما السند والمتن.

وقبل أن نجيب هذه الإفتراءات فجدير بنا أن نعرف تعريف النقد والسند والمتن أولا. فالنقد لغة هو إظهار ما في الشيء من عيب وحسن، واصطلاحا هو بيان ما في المتن من صحة وحسن أو عيب وضعف. وأما السند فهو سلسلة الرجال التي توصل إلى المتن. وأما المتن فهو ما ينتهي إليه السند من الكلام.
وفي هذ الصدد فسنعرض لكم كلاما جذابا لأحد علماء الأمة، فقد قال شيخ مشايخنا الأستاذ الدكتور محمد بن محد أبو شهبة (أستاذ علوم القرآن والحديث بجامعة الأزهر الشريف وجامعة أم القرى) في كتابه الماتع "دفاع عن السنة"، فقال: فقد وافقنا مع هؤلاء من جهة واختلفنا من جهات، لقد اتفقنا أن المحدثين توسعوا في نقد سند الحديث أكثر من توسعهم في نقد المتن وهذا شيء لا ننكره لكننا سنبين مجال اختلافاتنا مع هؤلاء في السطور القادمة. لو دقّقنا النظر في هذا فسنجد أن علماء الحديث كانوا أبعد غورا وأدق نظرا وأهدأ بالا حينما لم يجروا في نقد المتن الأشواط البعيدة التي جروها في نقد السند. إن المحدثين وضعوا عدة الشروط لقبول الحديث منها شرط عدالة الراوي وضبطه. فمتى توفرت العدالة بشروطها مع الضبط والحفط والأمانة والتحرج من التزيد والتغير كان احتمال الكذب والاختلاق بعيدا جدا إن لم يكن ممتنعا فلا تبقى الحاجة المبالغة في نقد متن الحديث. وأيضا فإن متن الحديث قد يحتمل عدة احتمالات، وهي:
أ‌. قد يكون المتن متشابها غير مفهوم العبارة. فلا مجال -مع هذا الإحتمال- لتحكيم النقد العقلي المجرد في المتن. وأمامنا عدة اختيارات، إما أن نؤمن به ونفوض علم حقيقته إلى الله تعالى، وإما أن نؤوله بما وافق العقل والنقل. وذلك مثل أحاديث الصفات وغيرها.
ب‌. وقد يكون متن الحديث ليس من قبيل الحقيقية بل من قبيل المجاز فرفضه –باعتبار حمله على الحقيقة استنادا إلى أن العقل أو الحس و المشاهدة لا تقره مع إمكان حمله على المجاز المقبول لغة وشرعا- يهجم وينكر لقواعد البحث الصحيح.
ت‌. وقد يكون متن الحديث من قبيل المغيبات، كأحوال يوم القيامة وغيرها، فردها –تحكيما للعقل فيها وبناء على قياس الغائب على الشاهد- ليس من الإنصاف، وذلك كالأحاديث الواردة في صفة الجنة ونعيمها والنار وعذابها ونحو ذلك.
ث‌. وقد يكون متن الحديث من الأخبار التي تكشف العلم عن مساتيرها واعتبرت من المعجزات النبوية التي جاءت الأيام بتصديقها. أرأيت لو أن المحدثين تمسّكوا بالنظر السطحي وتسرعوا في الحكم ببطلان الحديث مما خفي وجه الحكمة فيه ثم ظهرت بعد ذلك الحكمة واضحة، ألأ يكون ذلك جهالة في البحث وقصورا في النظر وإجحافا بحق الرسالة صلى الله عليه وسلم؟ ألأ نرى أن المحدثين كانوا على حق في المسلك الذي انتهجوه!!!
وأيضا فإن زعم المستشرقين وأعداء الإسلام أن المحدثين حصروا عنايتهم في السند دون المتن فهذا لا يوافق مع قيامهم بالحكم على متن الحديث بالشذوذ والنكارة والاضطراب والتعليل والوضع والاختلاق وما وضعوه من أمارات يستدل بها على الحديث بالوضع. لقد ذكر المؤلف (الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة) في كتابه "الوضع في الحديث" أربعة عشر أمارة الوضع، وجلّها يرجع إلى المتن. فمن هذه الأمارات ركاكة اللفظ بحيث يشهد الخبير بالعربية أن هذا لن يصدر من فصيح فضلا عن أفصح الفصحاء. ومنها ركاكة المعنى كأن يكون مشتملا على محال. ومنها اشتمال الحديث على مجازفات ومبالغات لا تصدر عن عاقل حليم، والمخالفة للحس والمشاهدة، والمخالفة لصريح القرآن أو السنة المتواترة أو المسلمة أو الإجماع مع تعذر التأويل المقبول في كل ذلك، أو يتضمن الحديث أمرا مستحدثا لم يوجد في العهد النبوي، أو غير ذلك مما أفاضت فيه كتب تاريخ الوضع في الحديث.
ونضيف إلى هذا ما كتبه الأستاذ الدكتور سعد جاويش (أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر الشريف) حيث قال: وأما قولهم: "إن العلماء لم يعتنوا بنقد المتن" فهذا ادعاء لا دليل عليه بل يحمل في طياته فضيلة وهي لو أنهم قالوا إن العلماء لم يعتنوا بسند الحديث أي رواته الذين نقلوه لكان طعنا في الحديث شديدا لكن الواحد منهم لم يجد ما يساعده على ذلك لأنهم لما رأوا في كتب تاريخ الرواة لم يجد ثغرا ومجالا للطعن على السند لذلك اتجهوا إلى الطعن في السند. وأيضا لو أنهم قرأوا وتعمقوا في أحاديث وشبهها فقد اهتم العلماء المحدثون بنقد متن الحديث كما اهتموا بالسند لكن أعداء الإسلام -للأسف الشديد- فلم يهتموا بذلك. وكذلك فإنهم لم يرجعوا إلى الكتب التي ألفت في نقد الحديث مثل "الإجابة فيما استدركته على الصحابة" وغيرها.
هكذا عناية المحدثين بنقد الأسانيد وتمييز المروي ما يقبل منه وما يرد بحيث لم يدعوا زيادة لمستزيد وقد تركوا لنا في نقد الرجال ثروة هائلة ضخمة ، فمنهم من ألف في الثقات كابن حبان، ومنهم من ألف في الضعفاء، ومنهم من ألف في الطبقات عموما مثل محمد بن سعد كاتب الواقدي. وقد ألف الإمام البخاري التاريخ الكبير والأوسط والصغير، اعتنى فيها بنقد المرويات كما ألف ايضا في الضعفاء والعلل، فله كتاب الضعفاء. وللنسائي أيضا كتاب الضعفاء. وللإمام أحمد العلل ومعرفة الرجال، وللدارقطني علل الحديث. وقد تضمنت هذه الكتب اصطلاحات خاصة يعرف بها الضعيف المردود والصحيح المقبول. ولم يكتفوا في نقدهم للرجال بالتجريح الظاهري بل عنوا أيضا بالنقد النفسي، يدل على ذلك تفريقهم بين رواية المبتدع الداعية إلى بدعته وغير الداعية إليها، فردوا رواية الأول وقبلوا رواية الثاني لأن احتمال الكذب في الأول قريب لتأييد بدعته. وقبلوا رواية المبتدع الداعية إذا روى ما يخالف بدعته، لأن احتمال الكذب من الناحية النفسية بعيد جدا في هذا بخلاف مقابله.
وهذا الزعم الباطل والقول الفاسد كرره كتاب المسلمبن ومفكريهم بدافع التقليد للمستشرقين وحب التظاهر بين الناس، ومن هؤلاء الدكتور أحمد أمين في كتابه "ضحى الإسلام" و الدكتور أحمد عبد المنعم في مقاله الممنشور في مجلة العربي الكويتية. وقد أحسن الرد وأجمل الرفض لهذه الدعوى شيخنا الأستاذ الدكتور نور الدين عتر (رئيس قسم علوم القرآن والسنة في كلية الشريعة بجامعة دمشق) في كتابه "منهج النقد في علوم الحديث" وأتى بعدة نقط مهمة، وهي كما تلي:
1. إن الدكتور أحمد أمين ذكر أنهم قسموا الحديث بحسب النقد الخارجي (نقد السند) إلى صحيح وحسن وضعيف وشاذ...الخ. والحقيقة إن العلماء قسموا الحديث بحسب النقد الداخلي والخارجي (متنا وسندا) إلى الأقسام التي ذكرها، وليس بحسب النقد الخارجي فقط.
2. إن المحدثين قرروا قاعدة اتفقوا عليها وهي أنه لا تلازم بين صحة السند وصحة المتن، وبالعكس أيضا فإنه لا تلازم بين ضعف السند وضعف المتن.
3. إن النقد الداخلي كان أول علوم الحديث وجودا حين كان الناس على العدالة (في عصر الصحابة). والعجيب في هذا أن الدكتور أحمد عبد المنعم قال في آخر مقالته: "وقد رد العلماء وجوها في رد المتن بناء على معناه مع صحة السند"، فهذا يدل على أن الكاتب غلب عليه التقليد فجاءت مقالته متناقضة ينسف آخرها أولها. و إننا نجد أن نقد المتن يؤدي إلى الحكم على الحديث بأشد الأحكام وهو الوضع كما هو معلوم.
4. إن فكرة الاعتماد على النظر في المتن وحده ليست من اختراع المستشرقين بل قد سبقت تجربتها في تاريخ المسلمين القديم على أيدي أناس جعلوا الرأي وحده يتحكم في المتون سلبا وإيجابا نفيا وإثباتا كما فعل بعض المبتدعة والمعتزلة وغيرهم. وقد أسفرت التجربة عن أسوأ النتائج وأغرب التناقضات. إنهم يحتكمون إلى المشاهدات المادية المعتادة يقيسون عليها ما ورد من النصوص في عوالم مغيبة مادية.
5. إن النقد الخارجي (السند) يتصل اتصالا وثيقا بالنقد الداخلي (المتن) لأن إثبات ثقة الراوي وكونه جديرا بالثقة ليس عمليا شكليا سطحيا، بل إنه مرتبط بالمتن ارتباطا قويا حيث إن توثيق الراوي لايثبت بمجرد عدالته وصدقه بل لا بد من اختبار مروياته بعرضها على روايات الثقات.
6. و أيضا فإن ظهور الفرق دعا علماء الإسلام إلى تحري أحوال الرواة ودراستها من كافة الوجوه، ولا سيما بيئة الراوي ومذهبه، وهذا مما أدى إلى أشد احتياطهم وقد كانوا في الاحتياط أبلغ مما يريده المتطفلون عليهم. والله ورسوله أعلم.
قصر الشوق- وادي الجهاد القاهرة، 2 مارس 2012 م


* هذه المقالة تقدم لنيل المنحة الدراسية من صندوق رعاية الطلبة الاندونيسين بالقاهرة

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

Most View Product

Saksi Bisu

Saksi Bisu